فصل: سنة إحدى وتسعين ومائة وألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة إحدى وتسعين ومائة وألف:

فيها في أوائل شهر ربيع الأول ورد أغا من الديار الرومية بطلب عساكر لسفر العجم فاجتمع الأمراء وتشاوروا في ذلك فاتفق رأيهم على إحضار إبراهيم طنان، فأحضروه من المحلة، وقلدوه إمارة ذلك.
وفيها في أوائل شهر جمادى الأولى، وقعت حادثة في طائفة المغاربة المجاورين بالجامع الأزهر، وذلك أنه آل إليهم مكان موقوف وحجد واضع اليد ذلك والتجأ إلى بعض الأمراء وكتبوا فتوى في شأن ذلك واختلفوا في ثبوت الوقف بالإشاعة، ثم أقاموا الدعاوى في المحكمة وثبت الحق للمغاربة، ووقع بينهم منازعات وعزلوا شيخهم وولوا آخر وكان المندفع في الخصومة واللسانة شيخاً منهم يسمى الشيخ عباس والأمير الملتجئ إليه الخصم يوسف بك، فلما ترافعوا وظهر الحق على خلاف غرض الأمير حنق لذلك ونسبهم إلى ارتكاب الباطل فأرسل من طرفه منن يقبض على الشيخ عباس المذكور من بين المجاورين فطردوا المعينين وشتموهم، وأخبروا الشيخ أحمد الدردير فكتب مراسلة إلى يوسف بك تتضمن عدم تعرضه لأهل العلم ومعاندة الحكم الشرعي، وأرسلها صحبة الشيخ عبد الرحمن الفرنوي وآخرين فندما وصلوا إليه وأعطوه التذكرة نهرهم وأمر بالقبض عليهم وسجنهم بالحبس. ووصل الخبر إلى الشيخ الدردير وأهل الجامع فاجتمعوا في صبحها وأبطوا الدروس والآذان والصلوات وقفلوا أبواب الجامع وجلس المشايخ بالقبلة القديمة، وطلع الصغار على المنارات يكثرون الصياح والدعاء على الأمراء. وأغلق أهل الأسواق القريبة الحوانيت وبلغ الأمراء ذلك، فأرسلوا إلى يوسف بك فأطلق المسجونين وأرسل إبراهيم بك من طرفه إبراهيم أغا بيت المال فلم يأخذ جواباً وحضر الأغا إلى الغورية ونزل هناك ونادى بالأمان وأمر بفتح الحوانيت، فبلغ مجاوري المغاربة ذلك فذهب إليه طائفة منهم وتبعهم بعض العوام وبأيديهم العصي والمسلوق وضربوا أتباع الآغا ورجموه بالأحجار فركب عليهم وأشهر فيهم السلاح هو ومماليكه فقتل من مجاوري المغاربة ثلاثة أنفار وانجرح منهم كذلك ومن العامة. وذهب الآغا ورجع الفريق الآخر وبقي الهرج إلى ثاني يوم، فحضر إسمعيل بك والشيخ السادات وعلي أغا كتخدا الجاويشية وحسن أغا فنزلوا الأشرفية وأرسلوا إلى أهل الجامع تذكرة بانفضاض الجمع وتمام المطلوب. وكان ذلك عند الغروب فلم يرضوا بمجرد الوعد وطلبوا الجامكية والجراية فركبوا ورجعوا وأصبح يوم الأربعاء والحال على ما هو عليه، وإسمعيل بك مظهر الاهتمام لنصرة أهل الأزهر، فحضر مع الشيخ السادات وجلسوا بالجامع المؤيدي وأرسلوا للمشايخ تذكرة صحبة الشيخ إبراهيم السندوبي ملخصها أن إسمعيل بك تكفل بقضاء أشغال المشايخ وقضاء حوايجهم وقبول فتواهم وصرف جماكيهم وجراياتهم، وذلك بضمان الشيخ السادات له فلما حضر الشيخ إبراهيم بالتذكرة وقرأها الشيخ عبد الرحمن العريشي جهاراً وهو قائم على أقدامه. فلما سمعوها أكثروا من الهرج واللغط وترددت الإرساليات والذهاب والمجيء بطول النهار ثم اصطلحوا وفتحوا الجامع في آخر النهار، وأرسلوا لهم في يوم الخميس جانباً من دراهم الجامكية. ومن جملة ما اشترطوه في الصلح عدم مرور الآغا والوالي والمحتسب من حارة الأزهر وغير ذلك شروط لم ينفذ منها شيء. وعمل إبراهيم بك ناظراً على الجامع عوضاً عن الآغا وأرسل من طرفه جندياً للمطبخ وسكن الاضطراب. وبعد مضي أربعة أيام من هذه الحادثة مر الآغا وبعده الوالي كذلك فأرسل المشايخ إلى إبراهيم بك يخبروه فقال: إن الطريق يمر بها البر والفاجر ولا يستغني الحكام عن المرور.
وفي أوائله أيضاً أحضر مراد بك شخصاً يقال له سليمان كاشف من أتباع يوسف بك وضربه علقة بالنبابيت لسبب من الأسباب فحقدها عليه يوسف بك واستوحش من طرفه.
وفي ثاني عشر جمادى الثانية قبض الآغا على إنسان شريف من أولاد البلد يسمى حسن المدابغي وضربه حتى مات، وسبب ذلك أنه كان في جملة من خرج على الآغا بالغورية يوم فتنة الجامع وكان إنساناً لا بأس به.
وفي ليلة الجمعة رابع عشر جمادى الثانية، خرج إسمعيل بك جهة العادلية مغضباً وسبب ذلك أن مراد بك زاد في العسف والتعدي خصوصاً في طرف إسمعيل بك وإبراهيم بك يسعى بينهما في الصلح واجتمعوا في آخر مجلس عند إبراهيم بك، فتكلم إسمعيل بك كلاماً مفحماً وقال: إنا تارك لكم مصر وإمارتها وجاعلكم مثل أولادي ولا أريد إلا المعيشة وراحة السر وأنتم لا تراعون لي حقاً، وأمثال ذلك من الكلام. فحضر في هذه الأيام إلى إسمعيل بك مركب غلال فأرسل مراد بك وأخذ ما فيها وعلم أن إسمعيل بك يغتاظ لذلك، ثم اتفق مع بعض أغراضه أنهم يركبون من الغد إلى إسمعيل بك ويدخلون عليه في بيته ويقتلونه فعلم إسمعيل بك بذلك فركب في الصباح وخرج إلى العادلية بعد أن عزل بيته وحريمه ليلاً وجلس بالأشبكية، وركب مراد بك ذاهباً إلى إسمعيل بك فوجده قد خرج إلى الأشبكية، وكان إبراهيم بك طلع إلى قصر العيني فذهب إلى مراد بك ولما أشيع خروج إسمعيل بك ركب يوسف بك وخرج غليه وتبعه محمد بك طبل وحسن بك وإبراهيم بك طنان وذو الفقار بك وغيرهم. ووصل الخبر إلى إبراهيم بك ومراد بك ومن انضم إليهم فركبوا وحضروا إلى القلعة وملكوا الأبواب وامتلأت الرميلة والميدان بعساكرهم وصحبتهم أحمد بك الكلارجي ولاجين بك وأيوب بك ورضوان بك وخليل بك ومصطفى بك واضطربت المدينة، وأغلق الناس الدكاكين واستمروا على ذلك يوم السبت ويوم الأحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء، وتسحب من أهل القلعة جماعة خرجوا إلى إسمعيل بك ويوسف بك ومن معهما وهم إسمعيل أغا أخو علي بك الغزاوي وأخوه سليم أغا وعبد الرحمن أغا أغات الينكجرية سابقاً، فأرسل أهل القلعة إبراهيم أغا الوالي فجلس بباب النصر وأغلق الباب ونزل الباشا إلى باب العزب. فحضر قاسم كتخدا عزبان أمين البحرين وعبد الرحمن أغا وصحبتهم جماعة إلى باب النصر فأرسلوا إليهم طائفة من عسكر المغاربة فضربوا عليهم بالرصاص وحمل عليهم الآخرون فشتتوهم ورجعوا إلى خلف وقتل من المغاربة أنفار وانجرح منهم كذلك وانتشر البرانيون حوالي جهات مصر وذهب منهم طائفة إلى جهة بولاق وفيهم محمد بك طبل فوجدوا طائفة من الكشاف والأجناد حضروا إلى بولاق لأجل العليق والتبن فوقعت بينهم وقعة، فانهزموا إلى قصر عبد الرحمن كتخدا وأخذ أولئك العليق والتبن وطلع منهم طائفة إلى الجبل واشتد الحال وعظمت الفتنة فأراد الباشا إجراء الصلح فأرسل أيوب أغا ورجع بجواب عدم رضاهم بالصلح، ثم أرسل إليهم أحمد جاويش المجنون فذهب ولم يرجع والتف عليهم، فأرسل الباشا ولده وكتخداه سعيد بك مراراً. ثم دخل في يوم الأربعاء عبد الرحمن أغا من باب النصر وشق من وسط المدينة وأمامه المنادي ينادي على الناس برفع بضائعهم من الحوانيت فرفع الناس بواقي بضائعهم من الدكاكين ولم يزل سائراً حتى وصل إلى باب زويلة ونزل بجامع المؤيد وجلس به مقدار ساعتين ورتب عسكراً هناك على السقائف والأسبلة، ثم ركب راجعاً وعاد وصحبته إبراهيم بك الطناني ومعهم عدة أجناد وعساكر وخرجوا من باب زويلة إلى الدرب الأحمر إلى جامع المرداني، فجلسوا عنده إلى بعد الظهر ثم زحفوا إلى التبانة إلى قرب المحجر وعملوا هناك متاريس ورتبوا بها جماعة وكذلك ناحية سويقة العزى، فنزل إليهم جماعة من القلعة وتراموا بالرصاص وقطعوا الطرق على من بالقلعة إلى بعد العصر فنزل إليهم خيالة مدرعين، فحمل عليهم عسكر المغاربة فوقع منهم أربعة خيالة وانجرح لاجين بك فحملوه إلى بيته في شنف وقتل أنفار من عسكر المغاربة وولى القلعاوية إلى جهة القلعة، وبعد الغروب انفصل عنهم عسكر المغاربة ونكسوا أعلامهم وحضروا عند أجناسهم والتفوا عليهم ولاحت لوائح الخذلان على من بالقلعة، ودخل عليهم الليل وانكف الفريقان. وأصبح يوم الخميس فدخل الكثير من البرانيين إلى المدينة شيئاً فشيئاً وربطوا في جميع الجهات حتى انحصروا بالقلعة وأخذوا ينقبون عليهم، فلما شاهدوا الغلب فيهم نزلوا من باب الميدان وذهبوا جهة البساتين إلى الصعيد فتخلف عنهم أحمد بك الكلارجي وأيوب بك وإبراهيم بك أوده باشه ولاجين بك مجروح وخرج المتخلفون إلى إسمعيل بك ويوسف بك وطلبوا منهما الأمان وانضموا إليهم. وعندما أشيع نزول إبراهيم بك ومراد بك من القلعة هجم المراطبون بالمحجر وسوق السلاح على الرميلة ونهبوا خيامهم وعازقهم الذي بها وبالميدان حتى جمال الباشا وخيول الدلاة، وذلك يوم الخميس قبل العصر بنصف ساعة، فدخل إسمعيل بك ويوسف بك بعد العصر من ذلك اليوم من باب النصر، وتوجهوا إلى بيوتهم وأصبح يوم الجمعة فشق عبد الرحمن أغا ونادى بالأمان والبيع والشراء وراق الحال. ا وبالميدان حتى جمال الباشا وخيول الدلاة، وذلك يوم الخميس قبل العصر بنصف ساعة، فدخل إسمعيل بك ويوسف بك بعد العصر من ذلك اليوم من باب النصر، وتوجهوا إلى بيوتهم وأصبح يوم الجمعة فشق عبد الرحمن أغا ونادى بالأمان والبيع والشراء وراق الحال.
ولما كان يوم الأحد ثاني عشرين جمادى الثانية طلعوا إلى الديون فخلع الباشا على إسمعيل بك ويوسف بك خلعتي سمور واستقر إسمعيل بك شيخ البلد ومدبر الدولة وقلدوا حسن بك الجداوي صنجقاً كما كان، وكانت الصنجقية مرفوعة عنه من موت سيده علي بك وكذلك رضوان بك قرابة علي بك قلدوه صنجقية وقلدوا إسمعيل أغا أخا علي بك الغزاوي صنجقية أيضاً وسكن ببيت إبراهيم بك الكبير وقلدوا سليمان كاشف من أتباع يوسف بك وهو الذي كان ضربه علقة مراد بك بالنبوت كما تقدم صنجقية ولقبه الناس أبا نبوت، وقلدوا أيضاً سليم كاشف من أتباع إسمعيل بك صنجقية وقلدوا عبد الرحمن أغا أغاوية مستحفظان كما كان ومحمد كاشف والي الشرطة. وفي عشية ذلك اليوم أنزلوا سليمان أغا مستحفظان إلى بولاق وأنزلوه في مركب منفياًإلى دمياط بعدما صودر في نحو أربعين ألف ريال.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشرينه، أنزلوا أيضاً سليمان كتخدا مستحفظان وعثمان كتخدا باش اختيار مستحفظان المعروف بأبي مساوق والأمير عبد الله أغا وأنزلوهم إلى المراكب، ثم حصل عنهم العفو فردوهم إلى بيوتهم.
وفي ذلك اليوم طلعوا إلى الديوان فقلدوا ذا الفقار بك دفتردار عوضاً عن رضوان بك بلفيا وذلك بإشارة يوسف بك لكونه كان مع مراد بك وإبراهيم بك حتى أنه أراد أن يسلب نعمته فمنعه عنه إسمعيل بك.
وفي يوم الأربعاء ثاني شهر رجب، حضر عند يوسف بك حسن بك الجداوي وصحبته إسمعيل بك الصغير وهو أخو علي بك الغزاوي وسليم بك الإسمعيلي وعبد الرحمن بك العلوي فجلسوا معه ساعة لطيفة بالمقعد المطل على البركة، فجلس حسن بك أمامه وكان جالساً على الدكة المرتفعة عن المرتبة، وجلس تحت شماله على المرتبة إسمعيل بك الصغير وسليم بك وعبد الرحمن بك استمر واقفاً، وحادثوه في شيء وتناجوا مع بعضهم وتأخر عنهم الواقفون من المماليك والأجناد فسحب عبد الرحمن بك النمشاة وضرب بها يوسف بك فأراد أن يهم قائماً، فداس على ملوطة إسمعيل بك فوقع على ظهره فنزلوه عليه بالسيوف وضربوا في وجوه الواقفين طلق بارود فهربوا إلى خلف ونزل الضاربون من القيطون، وركبوا وذهبوا إلى إسمعيل بك فركب في تلك الساعة وطلع إلى القلعة وأرسل إسمعيل كتخدا عزبان إلى الباشا وكان بقصر العيني بقصد التنزه، فركب من هناك وطلع إلى القلعة وجلس بباب العزب صحبة إسمعيل بك، فلما بلغ الأمراء الذين هم خشداشين يوسف بك ركبوا وخرجوا من المدينة وذهبوا إلى قبلي وهم أحمد بك الكلارجي وذو الفقار بك ورضوان بك الجرجاوي، فركب خلفهم طائفة فلم يدركوهم، وأرسلوا إلى محمد بك طبل فكرنك في بيته ونصب له مدافع وأبى من الخروج لأنه صار من المذبذبين. فلما وقع منه ذلك ذهب إليه حسن بك سوق السلاح وأخذه بالأمان إلى إسمعيل بك بعدما نزل إلى بيته فأمره أن يأخذه عنده في بيته، فلما أصبح استأذنه في زيارة الإمام الشافعي فأذن له فركب إلى جهة القرافة وذهب إلى جهة الصعيد. وانقضت الفتنة ودفن يوسف بك.
وفي يوم الخميس، طلعوا إلى الديوان فخلع الباشا على إسمعيل بك الكبير فروة سمور وأقره على مشيخة أبلد، وقلدوا حسن بك قصبة رضوان إمارة الحج عوضاً عن يوسف بك، وقلدوا عبد الرحمن بك العلوي صنجقاً كما كان، وقلدوا إبراهيم أغا خازندار، وإسمعيل بك الذي زوجه ابنته صنجقية، وتلقب بإبراهيم بك قشطة وسكن ببيت محمد بك، وقلدوا حسين أغا خازندار إسمعيل بك سابقاً صنجقية أيضاً وسكن ببيت أحمد بك الكلارجي، وقلدوا كاشفين أيضاً لإسمعيل بك يسمى كل واحد منهما بعثمان صنجقين، وسكن أحدهما ببيت مصطفى بك الذي كان سكن محمد بك طبل وهو على بركة الفيل حيث جامع أزبك اليوسفي وهو الذي يسمى بعثمان بك طبل وعثمان الثاني وهو الذي لقب بقفا الثور، وسكن ببيت ذي الفقار المقابل لبيت بلفيا، وقلدوا علي أغا جوخدار إسمعيل بك صنجقية أيضاً وسكن ببيت مراد بك عند الكبش وهو ببيت صالح بك الكبير وكان يسكنه سليمان بك أبو نبوت اليوسفي. وأما بيت يوسف بك فسكن به سليم بك وقلدوا يوسف أغا من أتباع إسمعيل بك والياً ونفوا أيوب بك وسليمان بك إلى المنصورة.
وفي صبحها يوم الجمعة رابع شهر رجب الفرد الموافق لرابع مسرى القبطي نودي بوفاء النيل ونزل الباشا صبح يوم السبت وكسر السد على العادة وجرى الماء إلى الخليج وعاد الباشا إلى القلعة.
وفي سابعه، اتفقوا على إرسال تجريدة إلى الصعيد وسر عسكرها إسمعيل بك الصغير، وعينوا للتوجه صحبته حسن بك الجداوي وإبراهيم بك الطناني وسليم بك الطناني وسلم بك الإسمعيلي وإبراهيم بك أوده باشا وحسن بك الشرقاوي المعروف بسوق السلاح وقاسم كتخدا عزبان وعلي أغا المعمار وكان غائباً بالمنية، فلما قبل الجماعة تخلص وترك أحواله وغلاله وحضر إلى مصر وصحبته طائفة من الهوارة والعربان، فلما حضر أرادوا أن يقلدوه صنجقية فامتنع من ذلك وشرعوا في تشهيل التجريدة وطلبوا طلباً عظيماً، وصرف الباشا ألف كيس من الخزينة لنفقة العسكر وخلعوا على الهوارة ومشايخ العربان ووعدوهم بالخير. وفيه جاءت الأخبار بأن علي بك السروجي ساق خلف محمد بك طبل فلحقه عند مكان تجاه البدرشين واحتاط به العربان وقتلوا مماليكه وشرد من نجا منهم وتفرق ونهبوا ما معه، وعروه وسلموه لكاشف هناك من أتباع إسمعيل بك فوقع في عرضه وعرض مشايخ البلد فألبسوه حوائج وهربوه وصحبته اثنان من الأجناد، فلما حضر علي بك السروجي أخبره العرب بما حصل، فأخذ ذلك الكاشف وحضر صحبته إلى إسمعيل بك فضرب الكاشف علقة ونفاه.
وفيه ورد الخبر أيضاً عن ذي الفقار بك بأن العرب عروه أيضاً، فهرب فلحقوه وأرادوا قتله، فألقى نفسه في البحر بفرسه وغرق ومات.
وفي يوم الاثنين رابع عشر رجب، برزت عساكر التجريدة إلى جهة البساتين.
وفي يوم الخميس خرج أيضاً غالب الأمراء وبرزوا خيامهم.
وفي يوم الجمعة ثامن عشر رجب سافرت التجريدة براً وبحراً.
وفي يوم السبت سادس عشرين رجب وصلت الأخبار بأن التجريدة تلاقت مع الأمراء القبالي ووقع بينهم معركة قوية، فكانت الهزيمة على التجريدة. فلما وصلت هذه الأخبار اضطرب إسمعيل بك وتخبل غزله وكذلك أمراؤه ودخل في يومها الأجناد مشتتين مهزومين، وكانت الوقعة يوم الجمعة في بياضة من أعمال الشرق فكبسوهم على حين غفلة وقت الفجر، فركب علي أغا المعمار وقاسم كتخدا عزبان وإبراهيم بك طنان فحاربوا جهدهم فأصيب علي أغا وقاسم كتخدا ووقعت خيولهما، وذلك بعد أن ساق علي أغا وصحبته رضوان أغا طنان وقصد مراد بك وضربه رضوان في وجهه بالسيف، فلمحه خليل بك كوسه الإبراهيمي وضرب علي أغا بالقرابينة فأصابته في عنقه، ووقع فرسه وسقط ميتاً. فلما قتل هذان الأميران ولي إبراهيم بك طنان فانهزم بقية الأمراء لأنه لم يكن فيهم أشجع من هؤلاء الثلاثة وباقيهم ليس له دربة في الحرب وسر عسكر مقصوب ومريض، واحتاط الأمراء القبليون بخيامهم وحملاتهم ومراكبهم بما فيها، وكانت نيفاً وخمسمائة مركب وكان كبير العسكر في قنجة صغيرة، فلما عاين الكسرة أسرع في الانحدار وكذلك بعض الأمراء انحدروا معه وباقيهم وصلوا في البر على هيئة شنيعة، وكان إسمعيل بك بمصر القديمة ينتظر أمراء التجريدة. فلما حصل ذلك نزل الباش في يوم الأحد وخرج إلى الآثار وجلس مع الصنجق ونادوا بالنفير العام، فخرج القاضي والمشايخ والتجار وأرباب الصنائع والمغاربة وأهل الحارات والعصب وغلقت الأسواق. وخرج الناس في يوم الاثنين حتى ملأوا الفضاء، فلما عاين ذلك إسمعيل بك وعلم أنك يحتاجون إلى مصروف ومأكل وأكثرهم فقراء وذلك غاية لا تدرك، أشار على تجار المغاربة والأضاشات بالمكث ورجع بقية العامة وأرباب الحرف ومشايخ الأشاير والفقراء من أهل الزوايا والبيوت، ووصل القبليون إلى حلوان وطمعوا في أخذ مصر بعد الكسرة قبل الاستعداد ثانياً.
وفي يوم الاثنين أرسل إسمعيل بك عدة من الأجناد وأصحبهم عسكر المغاربة ومعهم الجبخانة والمدافع فنصبوا المتاريس ما بين التبين وحلوان تجاه الأخصام، وركب في ليلتها إسمعيل بك وأمراؤه وأجناده وأحضر الباشا قليون رومي من دمياط ورئيسه يسمى حسن الغاوي مشهور بمعرفة الحرب في البحر يشتمل ذلك القليون على خمسة وعشرين مدفعاً، فأقلع به ليلاً تجاه العسكر وارتفع حتى تجاوز مراكبهم وضرب بالمدافع على وطاقهم في البر وعلى مراكبهم في البحر وساق جميع المراكب بما فيها، ووقع المصاف واشتد الجلاد بين الفريقين فكان بينهم وقعة قوية، وقتل فيها من أولئك رضوان بك الجرجاوي وخليل بك كوسه الإبراهيمي وخازنداره وكشاف وأجناد، ووقعت على القبالي الهزيمة ولم يظهر مراد بك في هذه المعركة بسبب جراحته. ثم هجموا على وطاقهم وخيامهم ونهبوها ونزل محمد بك طبل بفرسه إلى البحر وغرق ومات. ورجع إبراهيم بك ومراد بك وهو مجروح ومصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وأتباعهم وذهبوا إلى قبلي وساقوا خلفهم فلم يدركوهم. ودخل إسمعيل بك والأمراء والأجناد والعسكر إلى مصر منصورين مؤيدين وكانت هذه النصرة بخلاف المظنون، وكان رجوعهم يوم الأربعاء غرة شهر شعبان.
وفي ليلة السبت رابع شعبان حضر كاشف وصحبته جملة من المماليك وكان هذا الكاشف مأسوراً عند القبالي، فلما انهزموا أذنوا له بالرجوع إلى بيته وانضم إليه عدة مماليك ماتت أسيادهم فلما حضروا عند إسمعيل بك فرقهم على الأمراء.
وفي سابعه، أحضروا رمة علي أغا المعمار إلى بيته فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه في مشهد حافل ودفنوه بالقرافة.
وفيه تقلد حسن بك الجداوي ولاية جرجا وجاءت الأخبار بأن القبليين استقروا بشرق أولاد يحيى.
وفي أخر شعبان، سافر حسن بك الجداوي إلى جرجا وصحبته كشاف الولايات وحكام الأقاليم فضج لنزولهم ساحل البحر بسبب أخذهم المراكب.
وفي منتصف شهر رمضان، ولدت امرأة مولوداً يشبه خلقة الفيل مثل وجهه وآذانه وله نابان خارجان من فمه وأبوه رجل جمال وامرأته لما رأت الفيل وكانت في أشهر وحامها نقلت شبهه في ولدها وأخذه الناس يفترجون عليه في البيوت والأزقة.
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين شهر رمضان، ركب أمراء إسمعيل بك وصناجقه وعساكره في آخر الليل واحتاطوا ببيت إسمعيل بك الصغير أخي علي بك الغزاوي فركب في مماليكه وخاصته وخرج من البيت، فوجدوا الطرق كلها مسدودة بالعسكر والأجناد فدخل من عطفة الفرن يريد الفرار وخرج على جهة قنطرة عمر شاه فوجد العسكر والأجناد أماه وخلفه فصار يقاتلهم ويتخلص منهم من عطفة إلى عطفة حتى وصل إلى عطفة البيدق، وأصيب بسيف على عاتقه وسقطت عمامته وصار مكشوف الرأس إلى أن وصل إلى تجاه درب عبد الحق بالأزبكية، فلاقاه عثمان بك أحد صناجق إسمعيل بك فرده وسقط واحتاطوا به فنزل على دكان في أسوأ حال مكشوف الرأس والدم خارج من كركه، فعصبوا رأسه بعمامة رجل جمال وأخذه عثمان بك إلى بيته وتركه وذهب إلى سيده فأخبره، فخلع عليه فروة وفرساً مرختاً وأرسلوا إليه الوالي فخنقه، ووضعوه في تابوت وأرسلوه إلى بيته الصغير، فبات به ميتاً وأخرجوه في صبحها في مشهد ودفنوه. وكان إسمعيل بك قد استوحش منه وظهر عليه في أحكامه وأوامره وكلما أبرم شيئاًعارضه فيه. وازدحم الناس على بيته وأقبلت إليه أرباب الخصومات والدعاوى وصار له عزوة كبيرة وانضم إليه كشاف واختيارية وحدثته نفسه بالانفراد وتخيل منه إسمعيل بك فتركه وما يفعله وأظهر أنه مرمود في عينيه، وانقطع بالحريم من أول شهر رمضان ثم سافر في أواخره في النيل لزيارة سيدي أحمد البدوي، ثم رجع وبيت مع أتباعه ومن يثق به وقاموا عليه وقتلوا كما ذكر. ولما انقضى أمره شرع إسمعيل بك في إبعاد ونفي من كان يلوذ به وينتمي إليه، فأنزلوا إبراهيم بك بلفيا ومحمد أغا الترجمان وعلي كتخدا الفلاح وبعض كشاف إلى بولاق، وأراد قتل أخيه سليم آغا المعروف بتمرلنك، فاقتدى نفسه بثلاثين ألف ريال، ثم نفوه ثالث شوال ونفي إبراهيم بك بلفيا إلى المحلة.
وفي تلك الأيام، قرر إسمعيل بك على كل بلد من القرى ثلثمائة ريال وهي أول سيآته.
وفي يوم الأحد ثاني عشرين شوال عملوا موكب المحم وأمير الحاج حسن بك رضوان.
وفي يوم الخميس رابع ذي القعدة تقلد عبد الرحمن بك عثمان صنجقية وكانت مرفوعة عنه وكذلك علي بك.
وفي يوم الاثنين ثامنه، سافرت تجريدة لجهة الصعية للأمراء القبالي لأنهم تقووا واستولوا على البلاد وقبضوا الخراج وملكوا من جرجا إلى فوق، وحسن بك أمير الصعيد مقيم وليس فيه قدرة على مقاومتهم، ومنعوا ورود الغلال حتى غلا سعرها فعينوا لهم التجريدة وسر عسكرها رضوان بك وعلي الجوخدار وسليم بك وإبراهيم بك طنان وحسن بك سوق السلاح.
وفي يوم الأحد حادي عشرين القعدة، خرج إسمعيل بك إلى ناحية دير الطين وعزم على التوجه إلى قبلي بنفسه وأرسل الباشا فرمانات لسائر الأمراء والجاقلية وأمرهم جميعاً بالسفر فخرجوا جميعاً ونصبوا وطاقاتهم عند المعادي، ونزل الباشا وجلس بقصر العيني وطلبوا طلباً عظيماً.
وفي يوم الجمعة، عدى إسمعيل بك إلى البر الثاني وترك بمصر عبد الرحمن أغا مستحفظان كتخدا ورضوان بك بلفيا وعثمان بك طبل وإبراهيم بك قشطة صهره وحسين بك ومقادم الأبواب لحفظ البلد، فكان المقادم يدورون بالطوف في الجهات ليلاً ونهاراً مع هدوء سر الناس وسكون الحال في مدة غياب الجميع.
وفي سادس شهر الحجة، وصلت مكاتبات من إسمعيل بك ومن الأمراء الذين بصحبته بأنهم وصلوا إلى المنية فلم يجدوا بها أحداً من القبليين وأنهم في أسيوط ومعهم إسمعيل أبو علي من كبار الهوارة.
وفي سابع عشره، حضر الوجاقلية الذين كانوا بالتجريدة وحضر أيضاً أيوب أغا وكان عند القبالي فحضر عند إسمعيل بك بأمان واستأذنه في التوجه إلى بيته ليرى عياله فأذن له وأرسله صحبة الوجاقلية وسبب رجوع الوجاقلية لما رأى إسمعيل بك بعد الأمراء وأراد أن يذهب خلفهم فأمرهم بالرجوع للتخفيف، وانقضت هذه السنة.